منتدي ام رحمة الاسلامي
مرحبا بالزوار الكرام في منتدانا المتواضع ونرجو ان يحوذ علي اعجابكم وقضاء اسعد الاوقات معنا بإذن الله
منتدي ام رحمة الاسلامي
مرحبا بالزوار الكرام في منتدانا المتواضع ونرجو ان يحوذ علي اعجابكم وقضاء اسعد الاوقات معنا بإذن الله
منتدي ام رحمة الاسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي ام رحمة الاسلامي

مرحبا با لمتحا بو ن في الله
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
*رد جميع الشبهات حول الاسلام*
 
 
 أكبرموقع* لنصرة* الحبيب المصطفي

 

  مقالات محمد فتح الله كولن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سها محسن

سها محسن


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 03/11/2009

 مقالات محمد فتح الله كولن Empty
مُساهمةموضوع: مقالات محمد فتح الله كولن    مقالات محمد فتح الله كولن I_icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2010 12:21 am

الوجد والعشق


العشق نعمة من أخفى النعم والألطاف التي أنعمها المنعم الكريم على الإنسان. وهو يوجد بشكل بذرة أو نواة في قلب كل إنسان. فـإذا توفرت الظرورف والشـروط الملائمة نمت هذه البذرة وأصبحت شـجرة باسـقة وأزهرت وأثمرت ونضجت وتكاملت لتصل البـدايـة بالنهاية.

والعشق يسيل إلى العوالم الداخلية للإنسان كإحساس من منافذ العين والقلب والأذن. ويتجمع هناك كتجمع المياه والسدود، وينمو ويكبر وينتشر انتشار النار في الهشيم، ويحيط بالإنسان من كل جانب حتى ساعة الوصال. وعندما ينتهي العشق بالوصال يركد كل شيء، وتنطفئ النار ويفرغ السد.

والعشق الذي يشغل حيزا مهما في كل روح تقريبا منذ الولادة بشكل نواة ومعنى يجد نغمته ولونه الأصلي عندما ينقلب إلى عشق حقيقي. وعندما يجده يكتسب صفة الخلود والأبدية، وتكون لذته عند الوصال لذة معنوية.


القلب هو اعظم منافذ الإنسان لتلقي التجليات الإلهية, وآية ذلك ما يضطرم في هذا القلب من العشق والوجد لله تعالى وما يلتهب فيه من نيران الشوق اليه.


أقصر طريق وأفضله للوصول إلى أفق الإنسان الكامل هو طريق العشق. فمن الصعب الوصول إلى هذا الأفق من دون عشق ومن دون شوق. فللوصول إلى الحقيقة يمكننا القول إنه لا يوجد بجانب طريق "العجز والفقر والشكر والشوق" طريق يعادله سوى طريق العشق.


العشق بُراق أهداه الله تعالى لنا لنجد الجنة التى فقدناها. ولم يحدث حتى الآن لراكبي هذا البراق أن تاهوا في الطريق. وإن كان من الممكن لراكبي هذا البراق السماوي رؤية الماشين في جانب هذا الطريق من أصحاب الشطحات والسكر، ولكن هذا يرجع تماماً إلى معيار العلاقة الموجودة بينهم وبين الله تعالى.


ولأن العشق يحرق الإنسان ويذروه رماداً، فإن النار لن تمسهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ولن تستطيع حرقهم، استناداً إلى المبدأ القائل إنه لن يجتمع أمنان ولا خوفان لدى إنسان واحد. فلا يمكن تصور إنسان قضى حياته كلها وقلبه محترق بنار العشق الإلهي، وعالمه الداخلي في صراع مع نار جهنمية، أن يتعرض إلى ألم آخر مماثل ويقاسي من العذاب نفسه


العشق الذي ينسي الإنسان نفسه، ويجعله فانياً في معشوقه.. مثل هذا العشق لا غرض له ولا منفعة، بل هو عنوان للذوبان في معشوقه والفناء فيما يحبه معشوقه ويرضاه ويريده. وأظن أن هذا هو المطلوب من الإنسان.


لا يفكر العاشق في أي مخالفة لمراد معشوقه، بل لا يستطيع ذلك. ولا يرغب أن يلقي أي شيء ظلا عليه أو يسبب في نسيانه له. بل يرى كل كلمة وكل حديث لا يتعلق بمعشوقه عبثاً ودون فائدة. ويعد كل عمل له لا يتعلق بمعشوقه جحوداً منه وعدم وفاء.


العشق يعني أن تتطهر كل علاقات القلب وكل ميول الإرادة وكل الأحاسيس من غير المعشوق، وأن تتوجه كل لطائف الإنسان إليه حتى لا يرى في أحلامه وفي خياله ولا تتوجّهُ مشاعره الى أحدٍ سواه. وفي مثل هذه الحالة يبرق في كل تصرف من تصرفات العاشق معنى يعود للحبيب إذ ينبض قلبه بالشوق إليه. ويتغنى لسانه بحبه ويفتح عينيه ويغمضهما بذكره.

يشم العاشق في كل شيء عطر حبيبه. في النسيم الهاب، وفي المطر الهاطل، وفي الجدول المنساب، وفي صوت الغابة، وفي غبش الصبح، وفي ظلمة الليل. وعندما يرى جماله المنعكس حواليه يجتاحه الوجد... وفي هبوب كل نسيم يحس بأنفاس حبيبه، فيثمل... وعندما يتوقع أهونَ عتابٍ من حبيبه يتفطر قلبه أسى وأنيناً

وعندما يستيقظ العاشق على إشارات معشوقه يرى نفسه وقد تلونت شفتاه بحمرة الدم القاني، وصدره وهو يموج بطوفان من اللهب، ويجد نفسه وقد أحاطت به ألسنة اللهب... يرى هذا فلا يتمنى أن يخرج من لذة هذا الجحيم المحيط به.


يخطئ من يعد العشق هو الحب الشهواني للفاسقين. فمثل هؤلاء لا يعرفون العشق الحقيقي. هذا علماً بأن العشق المجازي ينقلب أحياناً إلى عشق حقيقي. ولكن هذا لا يعني أن للعشق المجازي والصوري أي قيمة، بل يدل أنه ناقص ومعيب ولا يحمل أي معنى من معاني الخلود.

العالم الداخلي للعشاق الحقيقيين يشبه عالم البراكين تتصاعد منه ألسنة الدخان والحمم. والذين يراقبون أحوالهم يعرفون أن كل أنة صادرة منهم كالحمم المنقذفة من البراكين تحرق كل مكان تقع عليه وتدمره وتشعل الحرائق فيه

من الصعب جداً شرح العشق بالكلمات... بل قد يكون هذا مستحيلاً. لذا كان القسم الأكبر من شروح العشق شروحاً لظواهره المنعكسة على الخارج وليس العشق نفسه. ذلك لأنه حال، ولا يعلم هذه الحال إلا صاحبها.

إن العاشق هو الثمل الذي جعل عشق "الحق" مذهباً له، ويقضي حياته في مشاعر الإعجاب والإجلال والحب لمحبوبه، والذي يحتمل ألاّ يَصْحوَ من سكره إلا على صوت الصور يوم القيامة. وقلب العاشق نافورة عشق دائمة الفوران تتدفق بالحب ولا تتوقف

العشق الحقيقي هو العلاج الحقيقي الوحيد لتسكين آلام الفناء والموت وتهدئة اضطراب وآلام القلوب المتلوعة بأحزان الخريف. وهو الشفاء الوحيد لمشاكلنا وأمراضنا التي كنا نظنها مستعصية منذ سنين ولمخاوفنا وقلقنا وأزماتنا والدواء الوحيد لها.

عندما تغذت الأجيال بالعلم والعرفان وبثقافة أيامنا الحالية ولكن دون أن يتم قدح أي شرارة من العشق في القلوب وإن كانت شرارة صغيرة، فإن عملية التعليم والتربية بقيت ناقصة تماماً ولم تتجاوز تربية الأجسام أبداً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سها محسن

سها محسن


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 03/11/2009

 مقالات محمد فتح الله كولن Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقالات محمد فتح الله كولن    مقالات محمد فتح الله كولن I_icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2010 12:25 am

المحبة



المحبة هي الحب، علاقة قلبية، هيام بأي شيء أو بأي شخص. والذي يهيمن على جميع مشاعر الإنسان هو العشق. والوصول إلى أبعاد عميقة بالاحتراق رغبةً في الوصال، هو الشوق والاشتياق. وعُرّفت المحبة أيضًا بأنها علاقة القلب بالمحبوب الحقيقي.. وشدة الاشتياق له بما لا يمكن مقاومته، والانصياع التام له في كل مسألة من المسائل خفية كانت أو جلية.. ومراقبة مراد المحبوب فيما يريد وغياب المحب عن نفسه حتى أعتاب الوصال. ويمكن إرجاع كل ما ذكر إلى نقطة واحدة وهي: الامتثال لدى الحضور الإلهي، والتجرد عن جميع الهموم والعلائق الفانية، مرددًا: يا حق.

والمحبة الحقيقية إنما تتحقق بتوجه الإنسان بكيانه كله إلى المحبوب سبحانه والبقاء معه، وإدراكه له وانسلاخه من جميع الرغبات الأخرى ومن جميع الطلبات، بحيث إن قلب البطل الذي ظفر بهذه الحظوة ينبض كل آن بملاحظة جديدة تخص الحبيب.. وخياله يجول في إقليمه الساحر.. ومشاعره تتلقى كل لحظة رسائل متنوعة منه.. وإرادته تحلّق بهذه الرسائل.. وفؤاده يسرح في متنـزهات الوصال.

فالمحب الذي اخترق أجواء نفسه بأجنحة المحبة ووصل إلى ربه في بُعد العشق والشوق لدى أدائه لحقوق سلطان قلبه ومسؤولياته نحوه، بأعضائه الظاهرة ومشاعره الباطنة، فإن قلبه منشغل به دون انقطاع وهويته محترقة بسبحات وجه الحق[1] وفي حيرة وإعجاب، وعلى شفتيه كأس العشق.. وعندما تنفرج أمامه أستار الغيب الواحد تلو الآخر ينتشي بمطالعة المعاني المترشحة من وراء هذه الأستار، وهو في ذوق المشاهدة التي لا تطال.

فإذا ما سار سار بأمر الحق سبحانه، وإذا ما وقف وقف بأمره، وإذا تكلم تكلم بنفحات منه، وإذا ما سكت سكت لأجله، فهو أحيانًا في أفق "بالله" وأحيانًا في أفق "من الله" وأحيانًا في أفق "مع الله".

نعم، إذا نسبت المحبة إلى الحق سبحانه فهي إحسان، وإذا أسندت إلى الخلق فهي خضوع وطاعة وانقياد. وما تقوله رابعة العدوية له أهميته في إبراز هذه المعاني:

تَعْصِي اْلإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هَـذَا لَعَمْرِي فِي الْفِعَالِ بَدِيعُ

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعْتَهُ إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ[2]

هذا وللمحبة ركنان مهمان:

1-ظاهري، وهو تعقب رضا المحبوب كل حين.

2-باطني، وهو الانغلاق التام تجاه ما لا علاقة له بمحبوبه في عالمه الداخلي.

فرجال الله يقصدون بالمحبة هذه الأخيرة، ويرون أن العلاقة إزاء اللذة والمنفعة بل حتى الأذواق المعنوية، ليست محبة، ولو أُطلق عليها هذا الاسم فهي محبة مجازية.

بيد أن المحبة الحقيقية أيضًا ليست على مستوى واحد لدى الجميع من حيث تعلقها بالمحبوب فهناك:

1-محبة العوام، وهي محبة تتردد بين الهبوط والصعود، فهؤلاء يرون رؤى الإحسان تحت ظل الحقيقة الأحمدية، ويشاهدون علامات تخص بزوغ فجر المعرفة.. وفي موضع آخر يرتعدون بشهب الغيوب ويشعرون برعشات الحيرة من بعيد.

2-محبة الخواص: فهم كالعُقبان المحلّقة في أجواء عالم المحبة يثرون عمرهم دومًا بالعمق والخصب بامتثال الأخلاق المحمدية صلى الله عليه وسلم في عالم القرآن المنور، من دون أن يطلبوا عوضًا، ماديًا كان أو معنويًا، جسميًا كان أو روحيًا، أثناء تمثلهم، بل لا يطلبون ذوقًا، وإذا تمكنوا من أداء واجبهم على أفضل وجه يخفضون أجنحة التواضع إلى الأرض كالأشجار المثقلة بالعناقيد ويئنون باسم "الحبيب". وإذا ما تزلزلوا بخطأ أو بخيبة وإخفاق يشددون الخناق على أنفسهم ويحاسبون أنفسهم أشد الحساب.

3-خواص الخواص، فهم كالغيوم المحمّلة بالأمطار في السماء المحمدي.. بهذه المحبة يستشعرون الوجود، وبها يحيون، وبها يبصرون، وبها يتنفسون. في دور دائم لا نهاية له من الامتلاء والإفراغ، فإذا ما شحنوا بها شحنوا برغبات الشوق والمعاناة والوصال، ولدى الإفراغ يمتطون النور وينـزلون على الأرض فيحتضنون بحنان الموجودات جميعها حيّها وميتها.

وعلى الرغم من اختلاف مستويات المحبة، فإن من توجّه إليه تعالى بعشق وشوق يقابَل ويكرَّم حسب مستوى علاقته.

فالأولون: يجدون في بابه سبحانه الرحمة والعناية الخاصة بهم.

والثواني: يصلون إلى أفق إدراك الصفات الجلالية والجمالية، وينجون من الثغرات البشرية وظلماتها.

والثوالث: يتنورون بنور وجوده سبحانه، وينتبهون إلى حقيقة الأشياء ويربطون علاقات مع ما وراء الأستار.

بمعنى أن الله سبحانه يتجلى أولاً بسبحات وجهه سبحانه، فيحرق ويهدم الصفات الجسمانية والظلمانية لمن يحبّهم، ومن ثم يأخذهم بأنواره الجمالية إلى دائرة صفاته الجليلة كالسمع والبصر، فيجعل القطرة بحرًا والذرة شمسًا. أي ينبههم إلى ما في نفوسهم وكيانهم من العجز والفقر، ويوصلهم إلى الإذعان بعدميتهم، ويملأ قلوبهم بأنوار وجود الذات الإلهية.

فالمحب الذي نال هذه الحظوة، يصل إلى حياة أبدية لا يمكن وصفها بالوجود والعدم. لذا قد يتمتم بما يستشعره ويتحدس به بكلمات مشوبة بالحلول والاتحاد، كالحديد المحمرّ بالنار يظن أنه نار فيقول: أنا النار، وهو ليس بنار. ففي أمثال هذه المواقف، فالحذر واليقظة وموازين السنة النبوية هي الأساس. أما رجال الحق الذين غلب عليهم الحال وهم مخمورون بحظوظ المشاهدة، فقد يتلفظون بأمور مخالفة لهذه الحقيقة. ففي أمثال هذه المواقف، ينبغي البحث بإنصاف عن نيّاتهم وعدم الاستعجال في إصدار الحكم عليهم. وإلاّ سيُضمر العداء للكثيرين -من دون شعور- ممن نالوا المعية الإلهية، بمضمون الحديث الشريف «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»[3] ويكون قد أعلن الحرب على الله وفق مضمون الحديث القدسي «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ».[4]

اللّهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. وصل وسلم على سيدنا محمد سيد المرشدين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سها محسن

سها محسن


عدد المساهمات : 169
تاريخ التسجيل : 03/11/2009

 مقالات محمد فتح الله كولن Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقالات محمد فتح الله كولن    مقالات محمد فتح الله كولن I_icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2010 12:34 am

عندما تنبض القلوب برقة



تقوم الأيـام والليالي المباركة بإعطاء كل شيء ولكل شـخص طعمها ولونها ونكهتها الخاصة بها. وتضيف إلى كل شيء رفقا وليونة، وتسوقه إلى عالم من الخيـال، وإلى أعماق تتجاوز تصوراتنا. ففي كل مكان... في السوق والمدرسة... في المعبد والمعسكر... يُحدَس سريـان سحر عميق في سماء المؤمنين، حيث يبرق جـو الآخرة، وتلتمع المحبة الإلهية في العيون. وفي ساعات الليل بالأخص تبتسم الأضواء الملونة في عيوننا، وتهمس لنا نغمات بُعد آخر من أبعاد الوجود. وكل وجه نـراه في البيوت أو في المعابد أو في أماكن العمل يبدو لنا وكأنه يعيش رحلة وصال وعشق ممض، ويتماوج من حين لآخر مع الأماني والآمال، ثم يتحول إلى شلال من العواطف التي تجري لتصب في اللانهاية


وكلما فارت مشاعر العبـادة والطاعة في أنفسنا تفور معها قابليتنا في العيش والشعور بالأشياء على نحو آخر، وتسـحبنا إلى أغوارها البعيدة. في مثل هـذه اللحظات والأوقات تضعف روابطنا الجسديـة والجسمانية، وتتخلص أرواحنا من همومها ومشاغلها اليومية، ونحس أننا ارتفعنا وسمونا إلى ذروة نراقب منها الوجود بأكمله. هنا نقوم بحب واحتضان كل شيء... الجبال والسهول والأودية... البيوت التي نشأنا فيها... بيوت العبادة التي تهيأنا في جوها للآخرة... نحتضن ونحب كل شيء ونعب منه ونتنفسه... الحي منه والجماد، لأن كل شيء وجـه من وجـوه الجمال الـذي خرج وانساب من يده تعالى


في هذه الأيام والليالي التي تولد كطوفان من النور، يظهر نوع من العشق والمعرفة اللدنية في أحوال المؤمنين العامة عند قيامهم وقعودهم. والأشواق الروحية التي تتغذى بالإيمان وبالمعرفة وبالعشق تتجاوز وتتقدم على جميع اللذائذ والأذواق المادية، ويبدأ كل واحد بالتوجه نحو أفق مقدس من المعرفة حسب ما يملك من قابلية للعرفان. وفي هذا الطريق يصل في نهاية المراحل التي يقطعها في كل يوم إلى وصال صغير ليتوج به سفره المبارك هذا. والذين يغذون أرواحهم كل يوم بمثل هذا الوصال، ومن الخيالات المتداعية المترافقة لجميع هذه الوصالات وللوصال الكبير، ومن أنواع الجمال المتدفقة إلى مشـاعرهم، ومن براعم الأمل النابتة في صلب عباداتهم، ومن الأذواق الروحية التي يحصلون عليها من المعاني الهادرة من القلوب والعيون المؤمنة، يرجعون لأنفسهم، وينغمرون مع هـذه المعاني في صمت مهيب، حيث يَدَعون أنفسهم لأحلام الوصال الكبير الذي سيتحقق في ذلك العالم الآخر، ويتخيلون أنفسهم وكأنهم يسبحون في نهر سـاحر، وأنهم أبحروا إلى ما فوق الزمان


هؤلاء السعداء الذين وصلوا إلى بحر السـعادة واللذة والشوق الذي يبحثون عنه، يحسون في كل آن، ويرون أنواعا من الجمال اللدني الساحر في منافذ قلوبهم، والأزهارَ المفتحة التي هي من تجليات نظر المحبوب سبحانه وتعالى، ويحسون بها وكأنها حزم منعكسة من جماله... يحسون بهذا فيتخيلون وكأنهم في حديقة عامرة بأنواع الثمار والفواكه، وبأنـواع الزهور والورود... والنسيم الرقيق يهبّ عليهم من كل جانب... وكلما قطفوا ثمرة أو وردة أحسوا بدفء الأمل في الألطاف التي يعدها المعبود تعالى-الذي عبدوه طوال حياتهم، ووضعوا جباههم على عتبة بابه- لهم في المستقبل، فيكادون يغيبون عن وعيهم... كأنهم يحدسون بموجات من نسائم وعود -في بُعدٍ آخر غير هذا البعد الدنيوي- لبعض النعم التي لم يصلوا إليها، وبعض المكافآت التي لم يحصلوا عليها، فيحسون في عالم مشاعرهم وكأنهم يحتضنون الرحمة والشفقة العميقة والأزلية للرحمن الرحيم. وضمن هذه الحالة النفسية والروحية يحسون بالحياة بشكل مختلف، ويحبونها بشكل أعمق، ويحتضنون بكل لطف ورقة كلَّ شيء مرتبط به تعالى.


الرجـال والنسـاء... الشباب والشـيوخ... العالمون وغير العالمين... العارفون وغير العارفين... ترى في أحوال كل هؤلاء وفي تصرفاتهم في ليالي هذه الأيام المباركة وفي أنهرها ظرفا يفوق ظرف ما جـاء في الأساطير وفي القصص، حيث يلتحفون بالجمال المعنوي لهذه الأيام المباركة، وتصطبغ وجوههم بمهابة الإيمان على وجوههم وهم يتطلعون إلى الأضواء الآتية من وراء أفق هـذا العالم، ويخلفون وراءهم في كل شيء لونهم ورائحتهم، وينتقلون في أعماق مشاعرهم إلى عالم الآخـرة، ويذوبون فيه ويكادون يقتربون من الملائكة. ويكاد الإنسان يلمح في وجوههم بسمات أضواء القناديل المضاءة في الأزقة وبين مآذن الجوامع ونظراتها ومشاعرها المنثورة مثل اللآلئ، فيخيل إليه أنه يرى أمامه الوجوه المباركة للأصفياء الموجودين في خياله.

أجل!.. قد يكون أصحاب هذه الوجوه الصبوحة -التي يتماوج فيها الإيمان والعشق والرغبة ولذة الوصال- والمشتاقون والمعجبون والسـعداء صامتين، ولكن المعاني المنبثقة عن أرواحهم، والمنعكسة على سلوكهم وأطوارهم ونظراتهم تبدي بعدا لاهوتيا يصعب الوصول إليه، ويكاد يسحر الموجودين حواليهم ممن يملكون ما يكفي من رهافة الحس.

يتخلص بعضنا في مثل هذه المواسم من الحدود الضيقة للمنطق فيدع نفسه في يد الفرح والانفعال والبكاء وكأنه قد دُعي لعالَم قدسي... ويتخيل بعضنا بأنه قد تهيأ لسفر بين النجوم وأنه يسابق الشمس والقمر، ويحسب أن أنفاسه تختلط بأنفاس الملائكة، إلى درجة أن قلوبنا تلين إلى أقصى حـد، وتدمع أعيننا، ونشعر بأن العديد من عُقَدنا التي نحس بوجودها في أنفسنا قد لانت وانحلت. أما دموعنا المنسكبة فتبدو وكأنها تطهر جميع العقد الموجودة في أعماق أرواحنا، وتهب الراحة والاطمئنان لضمائرنا.

يبدأ كل واحد منا -حسب سعة المعاني التي تملأ قلبه- بالإحساس بمعان عميقة لم يكن بإمكانه الإحساس بها من قبلُ، وذلك بسـبب الضغوط الجسمية والمادية عليه. يشب الشباب بعواطف قوية كأنهم يدفعون ضريبة الشباب والعنفوان... أما الكهول فيحاولون أن يكونوا أكثر عطاء وكسبا استنادا إلى ما اكتسبوه من حيـطة من تجاربهم الروحية والمعرفية... أما الشيوخ فتهتاج عندهم مشاعر التهيؤ للأبدية وللسعادة الأبدية التي تنتظرهم، وللعالم الذي تطير فيه الأرواح... أيْ يفتح الجميع عيون قلوبهم ومنافذها، فكأن كل واحد يستمع إلى ما لم يسمعه جيدا من قبلُ حول قدره ومصيره. يفرح لحظه الحسن، أو يغتم لحظه النكد، ثم يتطلع ويرمي بنظره بأمل إلى المستقبل، وتتعمق في وجوههم خطوط المعاني. أما الأصـوات المرتفعة من المآذن والجوامع المعلِنة للشعائر الإسلامية فتزيد الجو العام لذة أخرى وغنى آخر، إلى درجـة أن كل شيء... من الريـح التي تهب، ومن المطر الذي ينهمر، نحس بأنه يحمل عطر نفحات إلهية تمس وجوهنا، وتترك في قلوبنا إكسير الخلود. أما نسيم السَّحَر... آه من نسيم السحر!.. إنه يهبّ كنفَس من اللانهاية، ويثير قلوبنا ويجعلها تنبض بقوة وكأنه يحمل لطفا وفضلا، لأن هذه الدقائق السحرية التي نتوجه فيها نحوه تبدو لنـا -بفضل إيماننا وعشقنا وآمالنا- وكأنها عصارة الحقيقة الأبدية، فتنسكب على قلوبنا، وتنبت في أعماق أرواحنا براعم فواكه شجرة طوبى، وتأخذ بيدنا لتجول بنا في سفوح الجنات.

الله تعالى جميل وصاحب ألطاف على الدوام. ولكننا لا نشعر بعمق هذه المعاني إلا في أوقات معينة. أجل!.. ففي مواسم معينة والتي نعدها ربيع أرواحنا يجذب تعالى جميع عواطف قلوبنا، وجميع مشاعرنا نحوه، ويجعل من جماله وسحر جاذبيته قوة لا تقاوم، ويحيينا في كل آن وأوان بلطف جديد منه. وأنـا لا أتصور وجود أي لذة تعادل مثل هذه اللذة الحاصلة عن هذا الطريق في هـذه القلوب المباركة... لا أتصور هذا، لأن مثل هـذه اللذة الروحية تنبع من العشق الإلهي لدى الإنسان ومن الارتباط به تعالى، ومن موجـات الإحسان لصـاحب الرحمة اللانهائية وألطافه. وهـذه الألطاف والإحسان منه تعالى يكون لانهائيا ودون حدود بقدر وبمقياس عشق الإنسان وإخلاصه، وكونه صادرا من أعماق قلبه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقالات محمد فتح الله كولن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مكا نة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
» ** الأدب مع رسول الله للشيخ محمد حسان**
» خير الأنام قرة العين محمد صلى الله عليه وسلم
» **قصة عاق لوالديه للشيخ محمد حسان**أطال الله عمره**
» **أعرف حبيبيى وقرة عينى *محمد صلى الله عليه وسلم**رجاء نشرها للناس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي ام رحمة الاسلامي :: المنتديات العامة :: المنتدي العام-
انتقل الى: